فصل: قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

مساءً 8 :7
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية ***


فصل‏:‏ في التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب الله تعالى

وملاك السعادة والنجاة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب الله تعالى وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وإليهما رغب الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ‏"‏ كلهم‏"‏ من أولهم إلى آخرهم‏.‏

أحدهما التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل وتنزيهه عن صفات النقص‏.‏

والتوحيد الثاني‏:‏ عبادته وحده لا شريك له، وتجريد محبته، والإخلاص له، وخوفه ورجاؤه، والتوكل عليه، والرضى به ربا وإلاها ووليا وأن لا يجعل له عدلا في شيء من الأشياء‏.‏

وقد جمع سبحانه وتعالى هذين النوعين من التوحيد في سورتي الإخلاص وهما‏:‏ سورة‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ المتضمنة للتوحيد العملي الإداري، وسورة‏:‏ ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ المتضمنة للتوحيد الخبري العلمي‏.‏

فسورة‏:‏ ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ فيها بيان ما يجب لله تعالى من صفات الكمال، وبيان ما يجب تنزيهه عنه من النقائص والأمثال، وسورة‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ فيها إيجاب عبادته وحده ‏{‏لا شريك له‏}‏ والتبريء من عبادة كل ما سواه ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر ولهذا كان النبي يقرأ بهاتين السورتين في سنة الفجر والمغرب والوتر اللتين هما فاتحة العمل وخاتمته ليكون مبدأ النهار توحيدا وخاتمته توحيدا‏.‏

فالتوحيد العلمي الخبري له ضدان التعطيل والتشبيه والتمثيل فمن نفى صفات الرب عز وجل وعطلها كذب تعطيله توحيده، ومن شبهه بخلقه ومثله بهم كذب تشبيهه وتمثيله توحيده‏.‏

والتوحيد الإرادي العملي له ضدان‏:‏ الإعراض عن محبته والإنابة إليه والتوكل عليه أوالإشراك به في ذلك واتخاذ أوليائه شفعاء من دونه‏.‏

وقد جمع سبحانه وتعالى بين التوحيدين في غير موضع من القرآن فمنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون‏.‏ الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون‏}‏ ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذوا فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون‏.‏ ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون‏.‏ كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون‏.‏ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين‏.‏ هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين‏}‏‏.‏

ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون‏.‏ ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم‏}‏‏.‏

الرد على الملاحدة والمعطلة

وتأمل ما في هذه الآيات من الرد على طوائف المعطلين والمشركين فقوله‏:‏ ‏{‏خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام‏}‏ يتضمن إبطال قول الملاحدة القائلين بقدم العالم وأنه لم يزل وأن الله سبحانه لم يخلقه بقدرته ومشيئته ومن أثبت منهم وجود الرب جعله لازما لذاته أولا وأبدا غير مخلوق كما هو قول ابن سينا والنصير الطوسي وأتباعهما من الملاحدة الجاحدين لما اتفقت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام والكتب وشهدت به العقول والفطر‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ يتضمن إبطال قول المعطلة والجهمية الذين يقولون ليس على العرش شيء سوى العدم وأن الله ليس مستويا على عرشه، ولا ترفع إليه الأيدي، ولا يصعد إليه الكلم الطيب، ولا رفع المسيح عليه الصلاة والسلام إليه، ولا عرج برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ‏"‏إليه‏"‏ ولا تعرج الملائكة والروح إليه ولا ينزل من عنده جبريل عليه الصلاة والسلام ولا غيره، ولا ينزل هو كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولا يخافه عباده من الملائكة وغيرهم من فوقهم ولا يراه المؤمنون في الدار الآخرة عيانا بأبصارهم من فوقهم، ولا تجوز الإشارة إليه بالأصابع إلى فوق كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم مجامعه في حجة الوداع‏:‏ «وجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الناس ويقول‏:‏ اللهم أشهد»‏.‏

إثبات استواء الله على عرشه بالكتاب

قال شيخ الإسلام‏:‏ ‏"‏وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعامة كلام الصحابة والتابعين وكلام سائر الأئمة مملوء بما هو نص أو ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، وإنه فوق العرش فوق السموات مستو على عرشه‏.‏ مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بل رفعه الله إليه‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذي المعارج‏.‏ تعرج الملائكة والروح إليه‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يخافون ربهم من فوقهم‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فأعبدوه أفلا تذكرون‏}‏، فذكر التوحيدين في هذه الآية‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى الرحمن على العرش استوى‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسئل به خبيرا‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير‏}‏ فذكر عموم علمه وعموم قدرته وعموم إحاطته وعموم رؤيته‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تنزيل من حكيم حميد‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب‏.‏ أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا‏}‏‏.‏

قال أبو الحسن الأشعري‏:‏ وقد احتج بهذه الآية على الجهمية فكذب فرعون موسى عليه السلام في قوله‏:‏ إن الله ‏"‏فوق‏"‏ السموات وسيأتي إن شاء الله تعالى حكاية كلامه بحروفه‏.‏

إثبات استواء الله على عرشه بالسنة

وأما الأحاديث فمنها قصة المعراج وهي متواترة وتجاوز النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏السموات‏"‏ سماء سماء حتى انتهى إلى ربه تعالى فقربه وأدناه وفرض عليه الصلوات خمسين صلاة فلم يزل يتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه تبارك وتعالى، ينزل من عند ربه إلى عند موسى فيسأله كم فرض عليه‏؟‏ فيخبره فيقول‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فيصعد إلى ربه ‏"‏فيسأله التخفيف‏"‏‏.‏

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي‏.‏ وفي لفظ آخر‏:‏ كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي» وفي لفظ‏:‏ «وضع عنده على العرش»، وفي لفظ‏:‏ «فهو مكتوب ‏"‏عنده‏"‏ فوق العرش»‏.‏ وهذه الألفاظ كلها صحاح في صحيح البخاري ومسلم، ‏"‏وفي صحيح مسلم‏"‏ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال‏:‏ قام فينا رسول الله بخمس كلمات فقال‏:‏ «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»‏.‏

وذكر البخاري في كتاب التوحيد في صحيحه حديث أنس رضي الله عنه حديث الإسراء، وقال فيه‏:‏ «ثم علا به -يعني جبرائيل- فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاوز سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه فقال‏:‏ يا محمد ماذا عهد إليك ربك‏؟‏ قال‏:‏ عهد إلي خمسين صلاة ‏"‏ كل يوم وليلة‏"‏ قال‏:‏ إن أمتك لا تستطيع ‏"‏ذلك‏"‏ فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل كأنه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبرائيل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه‏:‏ يا رب خفف عنا… » وذكر الحديث‏.‏

وفي الصحيحين‏:‏ «عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم- وهو أعلم بهم- فيقول‏:‏ كيف تركتم عبادي‏؟‏ فيقولون‏:‏ تركناهم وهم يصلون وآتيناهم وهم يصلون»‏.‏ ولما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم وتقسم أموالهم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة وفي لفظ من فوق سبع سموات»‏.‏ وأصل القصة في الصحيحين وهذا السياق لمحمد بن إسحاق في المغازي‏.‏

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال‏:‏ «بعث علي بن أبي طالب إلى النبي بذهيبة في أديم مقروض لم تحصل من ترابها‏.‏ قال‏:‏ فقسمها بين أربعة بين- عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وزيد الخير» والرابع‏:‏ إما علقمة بن علاثة، وإما عامر بن الطفيل‏"‏، قال رجل من أصحابه‏:‏ كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال‏:‏ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء»‏.‏

وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال‏:‏ «لطمت جارية لي فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت يا رسول الله أفلا أعتقها‏؟‏ قال‏:‏ بلى ائتني بها قال‏:‏ فجئت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها‏:‏ أين الله‏؟‏ قالت‏:‏ في السماء قال‏:‏ فمن أنا‏؟‏ قالت‏:‏ أنت رسول الله، قال‏:‏ اعتقها فإنها مؤمنة»‏.‏

وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ «كانت زينب رضي الله عنها تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول‏:‏ زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات»‏.‏

وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم قال‏:‏ «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال‏:‏ يا رسول الله جهدت الأنفس، وجاع العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ويحك‏!‏ أتدري ما تقول‏؟‏» وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال‏:‏ ‏"‏ويحك‏!‏ إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك‏!‏ أتدري ما الله‏؟‏ إن عرشه على سمواته لهكذا‏"‏ وقال بأصابعه مثل القبة عليه ‏"‏ وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب»‏.‏ وفي سنن أبي داود أيضًا ومسند الإمام أحمد من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال‏:‏ «كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال‏:‏ ‏"‏ما تسمون هذه‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ السحاب قال‏:‏ ‏"‏والمزن‏"‏ قالوا‏:‏ والمزن قال‏:‏ ‏"‏والعنان‏"‏ قالوا‏:‏ والعنان قال‏:‏ ‏"‏هل تدرون كم بعد ما بين السماء والأرض‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ لا ندري قال‏:‏ ‏"‏إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك ‏"‏حتى عد سبع سموات‏"‏ ثم فوق السابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش ‏(‏بين‏)‏ أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله عز وجل فوق ذلك» زاد أحمد‏:‏ «وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء»‏.‏

وفي سنن أبي داود أيضًا عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخ له فليقل‏:‏ ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على ‏"‏هذا‏"‏ الوجع فيبرأ»، وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية فقال‏:‏ يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أين الله‏؟‏ فأشارت بإصبعها السبابة إلى السماء فقال لها‏:‏ من أنا‏؟‏ فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال‏:‏ «اعتقها»، وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح، وفيه أيضًا عن عمران بن حصين قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي‏:‏ «يا حصين كم تعبد اليوم إلها‏؟‏ قال أبي‏:‏ سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء قال‏:‏ فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك‏؟‏ قال الذي في السماء قال‏:‏ يا حصين أما أنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك قال‏:‏ فلما أسلم حصين جاء فقال‏:‏ يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني قال‏:‏ قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي»‏.‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها» وروى الشافعي في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ «أتى جبريل وفي كفه مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه يا ‏(‏جبريل‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهي عندنا يوم المزيد، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ يا جبريل وما يوم المزيد‏؟‏ قال‏:‏ إن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح فيه كثب من مسك فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تبارك وتعالى ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيقول الله عز وجل‏:‏ أنا ربكم وقد صدقتكم وعدي فاسألوني أعطكم فيقولون‏:‏ ربنا نسألك رضوانك فيقول‏:‏ قد رضيت عنكم ولكم ما تمنيتم ولدي مزيد، فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذي استوى فيه ربك سبحانه وتعالى على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة»‏.‏ ولهذا الحديث عدة طرق جمعها أبو بكر بن أبي داود في جزء، وفي سنن ابن ماجة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة قال‏:‏ وذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سلام قولا من رب رحيم‏}‏، قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم»، وفي الصحيحين من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوة حتى تكون مثل الجبل»‏.‏ وفي صحيح ابن حبان عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا ليس فيهما شيء»، وروى ابن وهب قال‏:‏ أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن زهرة بن معبد عن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «من توضأ فأحسن وضوءه ثم رفع نظره إلى السماء فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ‏"‏وأشهد‏"‏ أن محمدا عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء» وفي حديث الشفاعة الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «فأدخل على ربي تبارك وتعالى وهو على عرشه» وذكر الحديث، وفي بعض ألفاظ البخاري في صحيحه، فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين هكذا قال في داره في المواضع الثلاث يريد مواضع الشفاعات الثلاث التي يسجد فيها ثم يرفع رأسه، وروى يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه من طريق محمد بن إسحاق قال‏:‏ خرج عبد أسود لبعض أهل خيبر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «الذي في السماء‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أنت رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال الذي في السماء‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشهادة فتشهد فقاتل حتى استشهد وروى عدي بن عميرة الكندي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث عن ربه عز وجل فقال‏:‏ «وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي ما من أهل قرية ولا بيت ولا رجل ببادية كانوا على ما كرهت من معصيتي فتحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي» رواه ابن أبي شيبة في كتاب العرش، وأبو أحمد العسال في كتاب المعرفة‏.‏ وصح عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد مسلم قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ «إن لله ملائكة سيارة ‏"‏فضلا‏"‏ يتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلس ذكر جلسوا معهم فإذا تفرقوا صعدوا إلى ربهم» وأصل الحديث في صحيح مسلم، ولفظه‏:‏ «فإذا تفرقوا صعدوا إلى السماء فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم‏؟‏» الحديث‏.‏‏.‏‏.‏

وذكر الدارقطني في كتاب نزول الرب عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا من حديث عبادة بن الصامت قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، «ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول‏:‏ ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له‏؟‏ إلا ظالم لنفسه يدعوني فأفكه‏؟‏ فيكون كذلك إلى مطلع الصبح ويعلو على كرسيه»‏.‏

وعن جابر بن سليم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول‏:‏ «إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردين له فتبختر فيهما فنظر الله إليه من فوق عرشه فمقته فأمر الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها» رواه الدارمي عن سهل بن بكار أحد شيوخ البخاري، وله شاهد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا قد بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن، اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا‏:‏ قبلنا جئناك لنتفقه في الدين ولنسئلك عن أول هذا الأمر ما كان‏؟‏ فقال‏:‏ كان الله عز وجل على العرش وكان قبل كل شيء وكتب في اللوح المحفوظ كل شيء يكون» حديث صحيح أصله في صحيح البخاري، وروى الخلال في كتاب السنة بإسناد صحيح على شرط البخاري عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال‏:‏ «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه» وفي قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي رضي الله عنه‏:‏ «إذا أنا مت فغسلني أنت وابن عباس يصب الماء وجبرائيل ثالثكما وكفني في ثلاثة أثواب ‏(‏بيض‏)‏ جدد وضعوني في المسجد فإن أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه» وقد روي في حديث خطبة علي رضي الله عنه لفاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما استأذنها قالت‏:‏ يا أبت كأنك إنما أدخرتني لفقير قريش، فقال‏:‏ والذي بعثني بالحق ‏(‏نبيا‏)‏ ما تكلمت بهذا حتى أذن الله فيه من السماء فقالت‏:‏ رضيت بما رضي الله لي، وفي مسند الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قصة الشفاعة الحديث بطوله مرفوعا، وفيه‏:‏ «فآتي ربي عز وجل فأجده على كرسيه أو سريره جالسا»‏.‏ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال‏:‏ حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «يأتوني فأمشي بين أيديهم حتى آتي باب الجنة وللجنة مصراعان من ذهب مسيرة ما بينهما خمسمائة عام قال معبد‏:‏ فكأني أنظر إلى أصابع أنس حين فتحها، يقول مسيرة ما بينهما خمسمائة عام فاستفتح فيؤذن لي فأدخل على ربي فأجده قاعدا على كرسي العزة فأخر له ساجدا»، رواه خشيش بن أصرم النسائي في كتاب السنة له، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «إن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا وله في كل سماء كرسي فإذا نزل إلى سماء الدنيا جلس على كرسيه ثم يقول‏:‏ من ذا الذي يقرض غير عديم ولا ظلوم‏؟‏ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له‏؟‏ من ذا الذي يتوب فأتوب عليه‏؟‏ فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه»، رواه أبو عبد الله بن منده وروي عن سعيد مرسلا وموصولا، قال الشافعي رحمه الله تعالى مرسل سعيد عندنا حسن وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «إذا جمع الله الخلائق حاسبهم فيميز بين أهل الجنة وأهل النار وهو في جنته على عرشه، قال محمد بن عثمان الحافظ هذا حديث صحيح وعن جابر بن سليم قال سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردين فتبختر فنظر الله إليه من فوق عرشه فمقته فأمر الأرض فأخذته» حديث صحيح وروى عبد الله بن بكر السهمي، حدثنا يزيد بن عوانة عن محمد بن ذكوان عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ كنا جلوسا ذات يوم بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت بنا امرأة من بنات رسول الله فقال رجل من القوم هذه ابنة رسول الله فقال أبو سفيان ما مثل محمد في بني هاشم إلا كمثل ريحانة في وسط الذبل فسمعته تلك المرأة فأبلغته رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبه قال مغضبا فصعد على منبره وقال‏:‏ «ما بال اقوال تبلغني عن أقوام أن الله خلق سمواته سبعا فاختار العليا فسكنها وأسكن سمواته من شاء من خلقه وخلق أرضين سبعا فاختار العليا فأسكن فيها من خلقه واختار خلقه فاختار بني آدم ثم اختار بني آدم فاختار العرب ثم اختار مضر فاختار قريشا، ثم اختار قريشا فاختار بني هاشم ثم اختار بني هاشم فاختارني من بني هاشم فلم أزل خيارا، إلا من أحب قريشا فبحبي أحبهم ومن أبغض قريشا فببغضي أبغضهم»‏.‏

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن أبي ذئب عن محمد ابن عمرو عن عطاء عن سعيد بن يسار رضي الله عنه عن أبي ‏(‏هريرة‏)‏ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا‏:‏ اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله تعالى وإذا كان الرجل السوء قالوا‏:‏ اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال من هذا‏؟‏ فيقال فلان فيقال‏:‏ لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء فترسل من السماء ثم تصبر إلى القبر‏.‏‏.‏‏.‏» وروى الإمام أحمد أيضًا في مسنده من حديث البراء بن عازب قال‏:‏ «خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول‏:‏ أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال‏:‏ فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة‏؟‏ فيقولون‏:‏ فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا إلى سماء الدنيا فيستفتحون له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة فيقول الله تعالى‏:‏ «اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله، فيقولان له‏:‏ ما دينك‏؟‏ فيقول‏:‏ ديني الإسلام، فيقولان له‏:‏ ما هذا الرجل الذي بعث فيكم‏؟‏ فيقول‏:‏ هو رسول الله فيقولان ‏"‏له‏"‏‏:‏ وما علمك‏؟‏ فيقول‏:‏ قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال‏:‏ فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، قال‏:‏ ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب طيب الريح فيقول‏:‏ أبشر بالذي يسرك فهذا يومك الذي كنت توعد فيقول له‏:‏ من أنت‏؟‏ فوجهك وجه الذي يأتي بالخير، فيقول‏:‏ أنا عملك الصالح فيقول‏:‏ رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي‏.‏‏.‏» وذكر الحديث وهو صحيح صححه جماعة من الحفاظ‏.‏

وقال عثمان بن سعيد الدارمي الإمام الحافظ أحد أئمة الإسلام‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد وهو ابن سلمة حدثنا عطاء بن السائب عن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «لما أسري بي مررت برائحة طيبة فقلت يا جبرائيل ما هذه الرائحة الطيبة قال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت‏:‏ بسم الله تعالى فقالت ابنته أبي‏؟‏ قالت‏:‏ لا، ولكن ربي ورب أبيك الله، فقالت‏:‏ أخبر ذلك أبي ‏"‏ قالت‏:‏ نعم‏"‏، فأخبرته فدعا بها فقال‏:‏ من ربك هل لك رب غيري قالت ربي وربك الله الذي في السماء فأمر بنقرة من نحاس فأحميت ثم دعا بها وبولدها فألقاهما فيها وساق الحديث بطوله، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «كان ملك الموت يأتي الناس ‏"‏عيانا‏"‏ فأتى موسى فلطمه فذهب بعينه فعرج إلى ربه فقال‏:‏ بعثتني إلى موسى فلطمني فذهب بعيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه‏.‏ قال‏:‏ ارجع إلى عبدي فقل له‏.‏‏.‏ فليضع يده على متن ثور فله بكل شعرة توارت بيده سنة يعيشها فأتى فبلغه ما أمره به، فقال‏:‏ ما بعد ذلك‏؟‏ قال‏:‏ الموت، قال‏:‏ الآن، فشمه شمة قبض روحه فيها ورد الله على ملك الموت بصره»‏.‏ هذه حديث صحيح أصله وشاهده في الصحيحين، وقال أيضًا‏:‏ حدثنا ابن هشام الرفاعي حدثنا إسحاق بن سليمان حدثنا أبو جعفر الرازي عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ «لما ألقي إبراهيم في النار قال‏:‏ اللهم إنك في السماء أحد وأنا في الأرض واحد أعبدك، وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه عجبت من ملكين نزلا يلتمسان عبدا في مصلاه كان يصلي فيه فلم يجداه فعرجا إلى الله فقالا‏:‏ ياربنا عبدك فلان كنا نكتب له من العمل فوجدناه قد حبسته في حبالك فقال‏:‏ اكتبوا لعبدي عمله الذي كان يعمل» رواه ابن أبي الدنيا وله شاهد في البخاري، وفي حديث عبد الله بن أنيس الأنصاري الذي رحل إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه من المدينة إلى مصر حتى سمعه منه، وقال له‏:‏ بلغني أنك تحدث بحديث في القصاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشهده وليس أحد أحفظ له منك، فقال‏:‏ نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «إن الله يبعثكم يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما ثم يجمعكم ثم ينادي- وهو قائم على عرشه»- وذكر الحديث احتج به أئمة أهل السنة أحمد بن حنبل وغيره، وروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «إن الله ليكره في السماء أن يخطأ أبو بكر في الأرض»‏.‏ ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الرؤيا‏:‏ «أصبت بعضا وأخطأت بعضا»‏.‏ لوجهين‏:‏أحدهما أن الله سبحانه وتعالى يكره تخطئة غيره من آحاد الأمة له لا تخطئة الرسول صلى الله عليه وسلم له في أمر ما، فإن الحق والصواب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعا بخلاف غيره من الأمة فإنه إذا أخطأ الصديق رضي الله عنه لم يتحقق أن الصواب معه بل ما تنازع الصديق وغيره في أمر، ما إلا وكان الصواب مع الصديق رضي الله عنه‏.‏

الثاني‏:‏ أن التخطئة هنا نسبة إلى الخطأ ‏(‏العمد‏)‏ الذي هو الأثم، كقوله تعالى‏:‏ إن قتلهم كان خطأ كبيرا، لا من الخطأ الذي هو ضد العلم والتعمد والله أعلم‏.‏

وروى أبو نعيم من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا فيذكره الله من فوق سبع سموات فيقول‏:‏ ملائكتي إن عبدي هذا قد أشرف على حاجة من حاجات الدنيا فإن فتحتها له فتحت له بابا من أبواب النار ولكن إزووها عنه، فيصبح العبد عاضا على أنامله يقول‏:‏ من سبقني من دهاني‏؟‏ وما هي إلا رحمة رحمه الله بها»، وفي مسند الإمام أحمد من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال‏:‏ «قلت يا رسول الله ما أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان‏؟‏ قال‏:‏ ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»‏.‏

وفي الثقفيات من حديث جابر بن سليم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردين فتبختر فيهما فنظر الله إليه من فوق عرشه فمقته فأمر الأرض فأخذته فهو يتجلجل ‏(‏في الأرض‏)‏ فاحذروا معاصي الله» وأصله في الصحيح‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان عن أبي حيان عن حبيب بن أبي ثابت أن حسان بن ثابت رضي الله عنه أنشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏

شهدت بإذن الله أن محمدا *** رسول الذي فوق السموات من عل

وإن أبا يحيى ويحيى كلاهما *** له عمل من ربه متقبل

وإن أخا الأحقاف إذ يعذ لونه *** يجاهد في ذات الإله ويعدل

وقال شيخ الإسلام‏:‏ أخبرنا علي بن بشر أخبرنا ابن منده أخبرنا خيثمة بن سليمان حدثنا السري ‏"‏بن يحيى حدثنا هناد بن السري‏"‏ حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد البقال عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ «أن اليهود أتو النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن خلق السموات والأرض فذكر حديثا طويلا‏.‏‏.‏ قالوا‏:‏ ثم ماذا يا محمد‏؟‏ قال‏:‏ ثم استوى على العرش قالوا‏:‏ أصبت يا محمد لو أتممت ثم استراح فغضب غضبا شديدا فنزلت‏:‏ ‏{‏و لقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب‏}‏»‏.‏

فصل‏:‏ فيما حفظ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين

والأئمة الأربعة وغيرهم من ذلك أولا‏:‏ ما حفظ عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم

قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه

قال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإن إلهكم قد مات وإن كان إلهكم الله الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت ثم تلا‏:‏ ‏{‏وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل…‏}‏ حتى ختم الآية‏.‏

وقال البخاري في تاريخه‏:‏ قال محمد بن فضيل عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل أبو بكر رضي الله عنه عليه ‏(‏فأكب عليه‏)‏ وقبل جبهته وقال‏:‏ بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا، وقال‏:‏ من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء ‏(‏حي‏)‏ لا يموت، وفي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه فذكر الحديث وفيه‏:‏ «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى أبي بكر أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استأخر»‏.‏‏.‏‏.‏ فذكره‏.‏

ذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه

عن إسماعيل عن قيس قال‏:‏ لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا ليلقاك عظماء الناس ووجوههم فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ ألا أراكم هاهنا إنما الأمر من هاهنا وأشار بيده إلى السماء‏.‏

وذكر أبو نعيم بإسناده عنه‏:‏ ويل لديان الأرض من ديان السماء يوم يلقونه إلا من أمر بالعدل وقضى بالحق ولم يقضي على خوى ولا قرابة ولا على رغب ولا على رهب وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه‏.‏

وقال عثمان بن سعيد الدارمي‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جرير بن حازم قال‏:‏ سمعت أبا يزيد المزني قال‏:‏ لقيت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال لها خولة بنت ثعلبة- رضي الله عنها- وهو يسير مع الناس فاستوقفته فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل يا أمير المؤمنين حبست رجالا من قريش على هذه العجوز قال‏:‏ ويلك تدري من هذه‏؟‏ ‏(‏قال‏:‏ لا‏)‏، «قال‏:‏ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها إلا أن تحضرني صلاة فأصليها ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها»‏.‏

وقال خليد بن دعلج عن قتادة قال خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المسجد ومعه جارود العبدي، فإذا بإمرأة بارزة على ظهر الطريق فسلم عليها عمر رضي الله عنه فردت عليه السلام وقالت‏:‏هيها يا عمر عهدتك يا عمر وأنت تسمى عميرا في سوق عكاظ تزع الصبيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ولم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال الجارود‏:‏ فقد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ دعها أما تعرفها هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله شكواها من فوق سبع سموات فعمر والله أحق أن يستمع لها‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ وروينا من +وجوه عن عمر بن الخطاب أنه خرج ومعه الناس فمر بعجوز فاستوقفته فوقف ‏(‏لها‏)‏ وجعل يحدثها وتحدثه فقال رجل‏:‏ يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز قال‏:‏ ويلك أتدري من هذه‏؟‏ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات‏.‏ فذكر الحديث‏.‏

قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتاب الاستيعاب روينا من وجوه صحاح أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مشى إلى أمة له فنالها فرأته امرأته فلامته، فجحدها فقالت له‏:‏ إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فإن الجنب لا يقرأ ‏(‏القرآن‏)‏ فقال‏:‏

شهدت بأن وعد الله حق *** وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف *** وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة شداد *** ملائكة الإله مسومينا

فقالت‏:‏ آمنت بالله وكذبت عيني وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه‏.‏

قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

قال الدارمي‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ ما بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله تعالى فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه، وروى الأعمش عن +هيثمة عنه‏:‏ أن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سموات فيقول للملك‏:‏ اصرفه عنه، قال‏:‏ فيصرفه‏.‏

قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة من حديث سعيد بن جبير رضي الله عنه قال‏:‏ «تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله فإن بين السموات السبع إلى الكرسي سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك»، وفي مسند الحسن بن سفيان وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي من حديث عبد الله بن أبي مليكة أنه حدثه ذكوان قالا‏:‏ استأذن ابن عباس رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها وهي تموت فقال لها‏:‏ كنت أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيه الله إلا وهو تتلى فيها آناء الليل وآناء النهار‏.‏ وذكر الطبراني في شرح السنة من حديث سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد قال‏:‏ «قيل لابن عباس‏:‏ إن ناسا يكذبون بالقدر، قال‏:‏ يكذبون بالكتاب لئن أخذت شعر أحدهم لأنضونه إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا فخلق الخلق فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه»‏.‏

وقال إسحق بن راهويه‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم‏}‏‏.‏ قال‏:‏ قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ لم يستطع أن يقول من فوقهم علم أن الله من فوقهم‏.‏

قول عائشة رضي الله عنها

قال الدارمي‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية بن أسماء قال‏:‏ سمعت نافعا يقول‏:‏ قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ وايم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته، ‏(‏تعني‏:‏ عثمان‏)‏ ولكن علم الله ‏"‏من‏"‏ فوق عرشه إني لم أحب قتله‏.‏

قول زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها

ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «كانت زينب تفتخر على أزواج النبي وتقول‏:‏ زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات»، وفي لفظ لغيرهما كانت تقول‏:‏ «زوجنيك الرحمن من فوق عرشه كان جبريل السفير بذلك وأنا ابنة عمتك»‏.‏ رواه العسال‏.‏

قول أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه

قال‏:‏ لما لعن الله إبليس وأخرجه من سمواته وأخزاه قال‏:‏ رب أخزيتني ولعنتني وطردتني من سمواتك وجوارك، وعزتك لأغوين خلقت ما دامت الأرواح في أجسادها، فأجابه الرب تبارك وتعالى ‏"‏فقال‏"‏‏:‏ وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي لو أن عبدي أذنب حتى ملأ السماء والأرض خطاياه ثم لم يبق من عمره إلا نفس واحد فندم على ذنوبه لغفرتها وبدلت سيآته كلها حسنات، وقد روى هذا المتن مرفوعا ولفظه‏:‏ وعزتي وجلالي وارتفاعي لو أن عبدي‏.‏‏.‏‏.‏ فذكره ورواه ابن لهيعة عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إن الشيطان قال‏:‏ وعزتك يارب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب‏:‏ وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني‏:‏

قول الصحابة كلهم رضي الله عنهم

قال يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه‏:‏ حدثنا البكائي عن ابن إسحق قال‏:‏ حدثني يزيد بن سنان عن سعيد بن الأجيرد الكندي عن العرس بن قيس الكندي عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال‏:‏ خرجت مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة طويلة، وقال فيها‏:‏ فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمت وتبعته‏.‏

ذكر أقوال التابعين رحمهم الله تعالى

قال مسروق رحمه الله‏:‏ قال علي بن الأقمر‏:‏ كان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها، قال‏:‏ حدثتني الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما حبيبة رسول الله المبرأة من فوق سبع سموات‏.‏

‏"‏قول عكرمة رحمه الله تعالى‏"‏ قال سلمة بن شبيب حدثنا إبراهيم بن الحكم قال حدثني أبي عن عكرمة رحمه الله تعالى، قال‏:‏ بينما رجل مستلق على متنه في الجنة، فقال في نفسه لم يحرك شفتيه‏:‏ لو أن الله يأذن لي لزرعت في الجنة فلم يعلم إلا والملائكة على أبواب جنته قابضين على أكفهم فيقولون‏:‏ سلام عليك فاستوى قاعدا، فقالوا له‏:‏ يقول لك ربك تمنيت شيئا في نفسك قد علمته وقد بعث معنا هذا البذر، يقول لك‏:‏ ابذر فألقى يمينا وشمالا وبين يديه وخلفه فخرج أمثال الجبال على ما كان تمنى وزاد، فقال له الرب من فوق عرشه‏:‏ كل يا ابن آدم فإن ابن آدم لا يشبع‏.‏

‏"‏قول قتادة رحمه الله تعالى‏"‏ قال الدارمي‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو هلال حدثنا قتادة قال‏:‏ قالت بنو إسرائيل‏:‏ يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض فكيف لنا أن نعرف رضاك وغضبك قال‏:‏ إذا أرضيت استعملت عليكم خياركم وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم‏.‏

‏"‏قول سليمان التيمي رحمه الله تعالى‏"‏‏:‏ قال ابن أبي خيثمة في تاريخه حدثنا هارون بن معروف ‏"‏قال‏"‏ حدثنا ضمرة عن صدقة التيمي عن سليمان التيمي قال‏:‏ لو سئلت أين الله‏؟‏ لقلت في السماء‏.‏

‏"‏قول كعب الأحبار رحمه الله تعالى‏"‏‏:‏

قال الليث بن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن زيد بن أسلم حدثه عن عطاء بن يسار قال‏:‏ أتى رجل كعبا وهو في نفر فقال‏:‏ يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار فأعظم القوم قوله، فقال كعب‏:‏ دعوا الرجل فإن كان جاهلا تعلم وإن كان عالما ازداد علما، ثم قال كعب‏:‏ أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ثم جعل ما بين كل سماءين كما بين سماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك ثم رفع العرش فاستوى عليه‏.‏

وقال نعيم بن حماد‏:‏ أخبرنا أبو صفوان الأموي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب قال‏:‏ قال الله في التوراة‏:‏ أنا الله فوق عبادي وعرشي فوق جميع خلقي وأنا على عرشي أدبر ‏"‏أمور‏"‏ عبادي لا يخفى علي شيء من أمر عبادي في سمائي ولا في أرضي، وإلي مرجع خلقي، فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعاقب من شئت بعقابي‏.‏

قول مقاتل رحمه الله تعالى

ذكر البيهقي في الأسماء والصفات عن بكر بن معروف عن مقاتل بلغنا - والله أعلم- في قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏هو الأول والآخر والظاهر والباطن‏}‏ الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء والظاهر فوق كل شيء والباطن أقرب من كل شيء‏.‏ وإنما يعني القرب بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه وهو بكل شيء عليم، وبهذا الإسناد عنه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا هو معهم‏}‏ يقول بعلمه، وذلك قوله‏:‏ ‏{‏إن الله بكل شيء عليم‏}‏ فيعلم نجواهم، ويسمع كلامهم ثم ينبئهم يوم القيامة بكل شيء وهو فوق عرشه وعلمه معهم‏.‏

قول الضحاك رحمه الله تعالى

روى بكير بن معروفعن مقاتل بن حيان عنه ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏

قال هو الله على العرش وعلمه معهم‏.‏

قول التابعين جملة

روى البيهقي بإسناد صحيح إلى الأوزاعي قال‏:‏ كنا والتابعون متوافرون نقول‏:‏ إن الله تعالى جل ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته‏.‏ قال شيخ الإسلام وإنما قال الأوزاعي ذلك بعد ظهور جهم المنكر لكون الله عز وجل فوق عرشه والنافي لصفاته ليعرف الناس أن مذهب السلف كان بخلاف قوله‏"‏‏.‏

وقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد‏"‏ لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم‏}‏ هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم أحد في ذلك يحتج بقوله‏.‏

قول الحسن رحمه الله تعالى

روى أبو بكر الهذيلي عن الحسن رحمه الله تعالى قال‏:‏ ليس شيء عند ربك من الخلق أقرب إليه من إسرافيل، وبينه وبين ربه مسيرة سبعة حجب كل حجاب مسيرة خمسمائة عام، وإسرافيل دون هؤلاء ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الثرى‏.‏

قول مالك بن دينار رحمه الله تعالى

ذكر أبو العباس السراج حدثنا عبد الله بن أبي زياد وهارون قالا‏:‏ حدثنا سيار ‏"‏قال‏"‏ حدثنا جعفر قال‏:‏ سمعت مالك بن دينار يقول‏:‏ إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة ثم يقول‏:‏ خذوا فيقرأ ويقول اسمعوا إلى قوله الصادق من فوق عرشه‏.‏ وكان مالك بن دينار وغيره من السلف يذكرون هذا الأثر‏:‏ ابن آدم خيري إليك نازل وشرك يصعد إلي وأتحبب إليك بالنعم وتتبغض إلي بالمعاصي ولا يزال ملك كريم قد عرج إلي منك بعمل قبيح‏.‏

قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله

شيخ مالك بن أنس رحمة الله عليه‏"‏ قال يحيى بن آدم عن أبيه عن ابن عيينة قال‏:‏ سئل ربيعة عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ كيف استوى‏؟‏‏.‏ قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله تعالى الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق‏.‏

قول عبد الله بن الكوا رحمه الله تعالى

ذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله تعالى في تاريخه عن هشام بن سعد قال‏:‏ قدم عبد الله بن الكواء على معاوية، فقال له‏:‏ أخبرني عن أهل البصرة‏؟‏ قال‏:‏‏"‏يقاتلون معا ويدبرون شتى‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن أهل الكوفة‏؟‏ قال‏:‏ أنظر الناس في صغيرة وأوقعهم في كبيرة‏.‏ قال فأخبرني عن أهل المدينة‏؟‏ قال‏:‏ أحرص الناس على الفتنة وأعجزهم عنها‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن أهل المصر، قال‏:‏لقمة أكل، قال‏:‏فأخبرني عن أهل الجزيرة‏؟‏ قال كناسة بين مدينتين‏.‏ قال فأخبرني عن أهل الموصل‏؟‏ قال‏:‏قلادة وليدة فيها من كل شيءخرزة‏.‏ قال فأخبرني عن أهل الشام‏؟‏ قال‏:‏جند أمير المؤمنين لا أقول فيهم شيئا، قال‏:‏ لتقولن‏.‏ قال‏:‏ أطوع الناس لمخلوق وأعصاهم لخالق ولا يحسبون للسماء ساكنا‏.‏

قول تابع التابعين جملة رحمهم الله تعالى

ذكر قول عبد الله بن المبارك رحمه الله

روى الدارمي والحاكم والبيهقي وغيرهم بأصح إسناد إلى علي بن الحسن بن شقيق قال‏:‏ سمعت عبد الله بن المبارك يقول‏:‏ نعرف ربنا بأنه فوق سبع سموات على العرش استوى بائن من خلقه ولا نقول كما قالت الجهمية، وفي لفظ آخر قلت‏:‏ كيف نعرف ربنا‏؟‏ قال‏:‏ في السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما قالت الجهمية‏.‏

قال الدارمي‏:‏ حدثنا الحسن بن الصباح البزار حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال‏:‏ قيل له كيف نعرف ربنا‏؟‏ قال‏:‏ بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه‏.‏ قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي‏:‏ ومما يحقق قول ابن المبارك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للجارية أين الله‏؟‏ يمتحن بذلك إيمانها‏؟‏ فلما قالت‏:‏ في السماء اعتقها فإنها مؤمنة والآثار في ذلك عن رسول الله كثيرة والحجج متظاهرة والحمد لله على ذلك ثم ساقها الدارمي رحمه الله تعالى، وذكر ابن خزيمة عن ابن المبارك أنه قال له رجل‏:‏ يا أبا عبد الرحمن قد خفت من كثرة ما أدعو على الجهمية، فقال‏:‏ لا تخف فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء وصح عن ابن المبارك أنه قال‏:‏ إنا نستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية‏.‏

قول الأوزاعي رحمه الله تعالى

قال أبو عبد الله الحاكم أخبرني محمد بن علي الجوهري ببغداد، حدثنا إبراهيم بن الهيثم حدثنا محمد بن كثير المصيصي قال‏:‏ سمعت الأوزاعي يقول كنا والتابعون متوافرون، نقول‏:‏ إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة وهذا الأثر يدخل في حكاية مذهبه ومذاهب التابعين فلذلك ذكرناه في الموضعين‏.‏

قول حماد بن زيد رحمه الله تعالى

قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب قال‏:‏ سمعت حماد بن زيد يقول‏:‏ ‏"‏الجهمية إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء قال شيخ الإسلام وهذا الذي كانت الجهمية يحاولونه قد صرح به المتأخرون منهم وكان ظهور السنة وكثرة الأئمة في عصر أولئك يحول بينهم وبين التصريح به فلما بعد العهد وخفيت السنة وانقرضت الأئمة صرحت الجهمية النفاة بما كان سلفهم يحاولونه ولا يتمكنون من إظهاره‏.‏

قول سفيان الثوري

قال معدان‏:‏ سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو معكم أين ما كنتم‏}‏ قال‏:‏ علمه‏.‏ ذكره أبو عمر‏.‏

‏"‏قول وهب بن جرير رحمه الله تعالى‏"‏‏:‏ قال الأثرم حدثنا أبو عبد الله الأوسي قال‏:‏ سمعت وهب بن جرير يقول‏:‏ إنما تريد الجهمية أنه ليس في السماء شيء‏.‏ قال‏:‏ وقلت لسليمان بن حرب أي شيء كان حماد بن زيد في الجهمية‏؟‏ فقال‏:‏ كان يقول إنما يريدون أنه ليس في السماء شيء‏.‏

ذكر أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

قول الإمام أبي حنيفة قدس الله روحه

قال البيهقي‏:‏ حدثنا أبو بكر بن الحارث الفقيه حدثنا أبو محمد ابن حيان أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر ‏(‏قال‏)‏ حدثنا يحيى بن يعلى ‏(‏قال‏:‏ سمعت نعيم بن حماد يقول‏:‏ سمعت نوح‏)‏ بن أبي مريم أبا عصمة يقول كنا عند أبي حنيفة أول ما ظهر إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما فدخلت الكوفة، فقيل لها إن هاهنا رجلا قد نظر في المعقول يقال له‏:‏ أبو حنيفة، فأتيه فاتته فقالت‏:‏ أنت الذي تعلم الناس المسائل وقد تركت دينك‏؟‏ أين إلهك الذي تعبده‏؟‏ فسكت عنها ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض فقال له رجل‏:‏ أرأيت قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو معكم‏}‏ قال هو كما تكتب للرجل إني معك وأنت عنه غائب، قال البيهقي‏:‏ لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيما نفى عن الله تعالى وتقدس من الكون في الأرض وفيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع في قوله إن الله عز وجل في السماء قال شيخ الإسلام‏:‏ وفي كتاب الفقه الأكبر المشهور عند أصحاب أبي حنيفة الذي روه بالإسناد عن أبي مطيع البلخي الحكم بن عبد الله قال‏:‏ سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر قال‏:‏ لا تكفر أحدا بذنب ولا تنف أحدا من الإيمان وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا توالي أحدا دون أحد وأن ترد أمر عثمان وعلي رضي الله عنهما إلى الله تعالى، قال أبو حنيفة رحمه الله الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم، ولأن يتفقه الرجل كيف يعبد ربه عز وجل خير من أن يجمع العلم الكثير قال أبو مطيع قلت فأخبرني عن أفضل الفقه‏؟‏ قال‏:‏ يتعلم الرجل الإيمان والشرائع، والسنن، والحدود، واختلاف الأئمة‏.‏

وذكر مسائل في الإيمان ثم ذكر مسائل في القدر‏.‏‏.‏‏.‏ ثم قال‏:‏ فقلت‏:‏ فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيتبعه على ذلك أناس فيخرج من الجماعة، هل ترى ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لا قلت‏:‏ ولم‏؟‏ وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فريضة واجبة‏.‏ فقال‏:‏ هو كذلك لكن ما يفسدون أكثر ممن يصلحون من سفك الدماء واستحلال الحرام وذكر الكلام في قتال الخوارج والبغاة إلى أن قال‏:‏ قال أبو حنيفة ومن قال‏:‏ لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وعرشه فوق سبع سموات ‏(‏قلت‏)‏‏:‏ فإن قال إنه على العرش ولكنه يقول‏:‏ لا أدري العرش في السماء أم في الأرض قال‏:‏ هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل، وفي لفظ سألت أبا حنيفة عمن يقول‏:‏ لا أدري ربي في السماء أم في الأرض قال‏:‏ قد كفر لأن الله يقول‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وعرشه فوق سبع سموات قال‏:‏ فإنه يقول‏:‏ على العرش استوى ولكنه لا يدري العرش في الأرض أو في السماء، قال إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر‏.‏

وروى هذا عن شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري في كتابه ‏(‏الفاروق‏)‏ بإسناده‏.‏ قال شيخ الإسلام أبو العباس رحمه الله تعالى‏:‏ ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة رحمه الله عند أصحابه أنه كفر الواقف الذي يقول‏:‏ لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض‏؟‏ فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول ليس في السماء ولا في الأرض‏؟‏ واحتج على كفره بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ قال‏:‏ وعرشه فوق سبع سموات وبين بهذا أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ دل أن الله فوق السموات فوق العرش، وأن الاستواء على العرش دل على أن الله تعالى بنفسه فوق العرش ثم أردف ذلك بكفر من توقف في كون العرش في السماء أو في الأرض‏.‏ قال‏:‏ لأنه أنكر أن يكون في السماء وأن الله في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل واحتج بأن الله في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل‏.‏ وكل من هاتين الحجتين فطرية عقلية فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله عز وجل في العلو وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل وكذلك أصحابه من بعده، كأبي يوسف وهشام بن عبيد الله الرازي كما روى ابن أبي حاتم وشيخ الإسلام بأسانيدهما أن هشام بن عبيد الله الرازي صاحب محمد بن الحسن قاضي الري حبس رجلا في التجهم فتاب فجيء به إلى هشام ليمتحنه فقال‏:‏ الحمد لله على التوبة، فامتحنه هشام فقال‏:‏ أشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه‏؟‏ فقال‏:‏ أشهد أن الله على عرشه ولا أدري ما بائن من خلقه‏.‏ فقال‏:‏ ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب، وسيأتي قول الطحاوي عند أقوال أهل الحديث‏.‏

قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى

ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد‏:‏ أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ‏(‏قال‏)‏ حدثني أبي ‏(‏قال‏)‏ حدثنا شريح بن النعمان ‏(‏قال‏)‏ حدثنا عبد الله بن نافع قال‏:‏ قال مالك بن أنس‏:‏ الله في السماء وعلمه في كل مكان ‏(‏لا يخلو منه مكان‏)‏ قال‏:‏ وقيل لمالك‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ كيف استوى‏؟‏ فقال مالك رحمه الله تعالى‏:‏ ‏(‏استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء‏)‏‏.‏ وكذلك أئمة أصحاب مالك من بعده‏.‏

قول أئمة أصحاب مالك من بعده

قال يحيى بن إبراهيم الطيطلي في كتاب سير الفقهاء وهو كتاب جليل غزير العلم حدثني عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن المغيرة عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال‏:‏ كانوا يكرهون قول الرجل‏:‏ يا خيبة الدهر وكانوا يقولون‏:‏ الله هو الدهر، وكانوا يكرهون قول الرجل‏:‏ رغم ‏(‏أنفي لله‏)‏، وإنما يرغم أنف الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل‏:‏ لا والذي خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل‏:‏ والله حيث كان أو أن الله بكل مكان‏.‏ قال أصبغ‏:‏ وهو مستو على عرشه وبكل مكان علمه وإحاطته وأصبغ من أجل أصحاب مالك وأفقههم‏.‏

ذكر قول أبي عمرو الطلمنكي

قال في كتابه في الأصول‏:‏ أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته‏.‏ وقال في هذا الكتاب أيضًا‏:‏ أجمع أهل السنة على أن الله تعالى استوى على العرش على حقيقته لا على المجاز ثم ساق بسنده عن مالك قوله‏:‏ الله في السماء وعلمه في كل مكان ثم قال في هذا الكتاب‏:‏ وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو معكم أين ما كنتم‏}‏ ونحو ذلك من القرآن‏:‏ أن ذلك علمه وأن الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء، وهذا لفظه في كتابه‏.‏

ذكر قول بخاري الغرب الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر

إمام السنة في زمانه رحمه الله تعالى قال في كتاب التمهيد في شرح الحديث الثامن لابن شهاب عن ابن سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ «ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول‏:‏ من يدعوني فأستجيب له‏؟‏ من يسألني فأعطيه‏؟‏ من يستغفرني فأغفر له‏؟‏» هذا الحديث ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته‏.‏ وفيه دليل على أن الله جل وعلا في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله في كل مكان وليس على العرش والدليل على صحة ما قال أهل الحق في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش ما لكم من دونه ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى إلى السماء وهي دخان‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا‏}‏ وقوله تبارك اسمه‏:‏ ‏{‏إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏فسبح اسم ربك الأعلى‏}‏ وهذا من العلو وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏العلي العظيم‏}‏ و ‏{‏الكبير المتعال‏}‏ و ‏{‏رفيع الدرجات ذو العرش‏}‏ و‏{‏يخافون ربهم من فوقهم‏}‏ والجهمي يقول إنه أسفل وقال جل ذكره ‏{‏يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه‏}‏ وقال لعيسى‏:‏ ‏{‏تعرج الملائكة والروح إليه‏}‏ والعروج هو الصعود، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بل رفعه الله إليه‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فالذين عند ربك يسبحون له‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه‏}‏ والعروج هو الصعود وأما قوله‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء‏}‏ فمعناه من على السماء يعني على العرش، وقد تكون في بمعنى على ألا ترى إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فسيحوا في الأرض‏}‏ أي على الأرض وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولأصلبنكم في جذوع النخل‏}‏ وهذا كله يعضده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تعرج الملائكة والروح إليه‏}‏‏.‏ وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب، وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة، وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى‏:‏ استولى فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله تعالى لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد‏.‏

ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك وإنما يوجه كلام الله عز وجل على الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات، وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة مفهوم، وهو‏:‏ العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ قال‏:‏ علا، قال‏:‏ وتقول العرب‏:‏ استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت‏.‏ وقال غيره‏:‏ استوى أي استقر، واحتج بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولما بلغ أشده واستوى‏}‏ أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ الاستواء الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله تعالى في كتابه فقال‏:‏ ‏{‏لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏واستوت على الجودي‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك‏}‏‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة *** وقد حلق النجم اليماني فاستوى

وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى‏.‏ لأن النجم لا يستولي وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونا جليلا في علم الديانة واللغة قال‏:‏ حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم ما رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا‏.‏‏.‏ استووا‏.‏ فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال‏.‏ فقال لنا أعرابي إلى جانبه إنه أمركم أن ترفعوا، فقال الخليل‏:‏ هو من قول الله‏:‏ ‏{‏ثم استوى إلى السماء وهي دخان‏}‏ فصعدنا إليه‏.‏ قال‏:‏ وأما من نزع منهم بحديث يرويه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ قال‏:‏ استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان‏.‏ فالجواب‏:‏ إن هذا حديث منكر على ابن عباس رضي الله عنهما ونقلته مجهولون وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد‏:‏ فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث لو عقلوا وأنصفوا، أما سمعوا الله سبحانه حيث يقول‏:‏ ‏{‏وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا‏}‏ فدل على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول إن إلهي في السماء وفرعون يظنه كاذبا‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

فسبحان من لا يقدر الخلق قدره *** ومن هو فوق العرش فرد موحد

مليك على عرش السماء مهيمن *** لعزته تعنوا الوجوه وتسجد

وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت وفيه يقول في وصف الملائكة

وهذا الشعر لأمية بن الصلت وفيه يقول في وصف الملائكة‏:‏

وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه *** يعظم ربا فوقه ويمجد

قال‏:‏ فإن احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله‏}‏ وبقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الله في السموات وفي الأرض‏}‏ وبقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم‏}‏ وزعموا أن الله سبحانه في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى جده‏.‏ قيل‏:‏ لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذا قال أهل العلم بالتفسير وظاهر التنزيل يشهد أنه على العرش فالاختلاف في ذلك ساقط وأسعد الناس به من ساعده الظاهر، وأما قوله في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وفي الأرض إله‏}‏ فالإجماع والاتفاق قد بين أن المراد أنه معبود من أهل الأرض فتدبر هذا فإنه قاطع‏.‏

ومن الحجة أيضًا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر، أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى ‏"‏أكثر من‏"‏ حكايته لأنه اضطرار لم يوقعهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأمة التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن قال لها أين الله‏؟‏ فأشارت إلى السماء ثم قال لها من أنا‏؟‏ قالت‏:‏ أنت رسول الله‏.‏ قال‏:‏ «اعتقها فإنها مؤمنة» فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه قال وأما احتجاجهم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏ فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية‏:‏ هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله، وذكر سنيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏ قال هو على عرشه، وعلمه معهم أينما كانوا‏.‏ قال‏:‏ وبلغني عن سفيان الثوري مثله قال سنيد وحدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم‏.‏ ثم ساق من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء والله على العرش، ويعلم أعمالكم وذكر هذا الكلام أو قريبا منه في كتاب الاستذكار‏.‏

ذكر قول الإمام مالك الصغير أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني

قال في خطبته برسالته المشهورة‏:‏ باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات ومن ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء ولا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في ماهية ذاته‏:‏ ‏{‏ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم‏}‏ العليم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه‏.‏

لذلك ذكر مثل هذا في نوادره وغيرها من كتبه ‏(‏وذكر في كتابه المفرد في السنة تقرير العلو‏)‏ واستواء الرب تعالى على عرشه بذاته أتم تقرير فقال‏:‏